الكتاب المقدس لدى
المسيحيين
ينقسم الكتاب المقدس لدى
المسيحيين إلى قسمين متمايزين هما العهد القديم والعهد الجديد.
أصل هذه التسمية تعود أن اللاهوتيين
المسيحيين الأوائل رؤوا ما ذهب إليه بولس في الرسالة الثانية إلى كورنثس 14/3 بأن تلك النصوص تحوي أحكام عهد جديد، ما أدى
في الوقت نفسه إلى إطلاق مصطلح العهد القديم على المجموعة التي كانت تسمى الشريعة
والأنبياء وتشمل الكتاب المقدس لدى اليهود.[221] ويتكونالعهد القديم من من ستة وأربعين كتابًا
يطلق عليها اسم أسفار، وقد قسّمت أسفار العهد القديم حسب التقليد المسيحي إلى
أربعة أقسام وفروع أولها التوراة التي تؤلف أسفار موسى الخمسة، ثم الأسفار التاريخية وأسفار الأنبياء و الحكمة؛ أما العهد الجديد فيحتوي على سبعة وعشرين سفرًا وهي الأناجيل القانونية الأربعة بالإضافة إلى أعمال الرسل وأربعة عشر رسالة لبولس وسبع رسائل لرسل وتلاميذ آخرين وسفر الرؤيا.[222] ومواضيع الأسفار مختلفة،
فإن اعتبر سفر التكوين قصصيًا بالأولى، فإن سفر اللاويين تشريعيًا بالأحرى، أما المزامير فسفرٌ تسبيحي، ودانيال رؤيوي. تقبل الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية الأسفار القانونية الثانية، في حين أنالكنائس البروتستانتية فهي تتفق مع اليهودية في عدم قبولها.
كانت الترجمة السبعينية لهذا الكتاب والتي أنجزها لاهوتيون يهود في الإسكندرية خلال القرن الثاني قبل الميلاد باللغة اليونانيةالنسخة الأكثر انتشارًا
منه؛[221] ويعود سبب تقديس
المسيحيين للعهد القديم إلى عدة أسباب: يسوع طلب ذلك صراحة،[223] ولأن نبؤات العهد القديم حول الماشيح قد تحققت في شخص يسوع حسب
المعتقدات المسيحية، لذلك يلبث العهد القديم هامًا لتأكيد أن يسوع هو المسيح،[224] وكذلك لفهم البيئة التي
نشأ منها يسوع، ويضاف إلى ذلك أن العهد القديم جزء من وحي الله.[225]
أما تأليف أسفار العهد الجديد، وضمها في
بوتقة واحدة، فهو نتيجة تطور طويل معقد،[221] إذ يظهر العهد الجديد كمجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سفرًا مختلفة
الحجم، وضعت جميعها باللغة اليونانية أواخر القرن الأول؛[226] إن السلطة العليا في أمور
الدين كانت تتمثل لدى المسيحيين الأولين في مرجعين، العهد القديم، والمرجع الثاني
الذي انتشر انتشارًا سريعًا وقد أجمعوا على تسميته الرب، ويشمل هذا المرجع على
التعاليم التي ألقاها يسوع والأحداث التي تبين سلطته؛[226] لكن العهد القديم وحده
كان يتألف من نصوص مكتوبة، أما أقوال يسوع وما كان يعظ به فقد تناقلتها ألسن
الحفاظ شفهيًا، وربما وجدت بعض الوثائق المكتوبة لروايتي الصلب والقيامة أو بعض
الأحداث الهامة الأخرى؛ ولم يشعر المسيحيون الأولون، إلا بعد وفاة آخر الرسل
بضرورة تدوين التقليد الشفهي،[226] فبدؤوا قرابة العام 120 بإنشاء العهد الجديد،
مبتدئين بأسفار بولس نظرًا لما كان له من شهرة
ولأنه أوصى بقراءة رسائله بنفسه،[227] وتشير كتابات آباء كنيسة القرن الثاني إلى أنهم يعرفون عددًا كبيرًا من رسائل بولس
وأنهم يولونها مكانة الكتب المقدسة،[228] أيضًا فإن أقدم الإشارات
التاريخية تعود للعام 140 تثبت أن المسيحيين يقرأون
الأناجيل في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل أو أقله شخصيات تتصل
بالرسل بشكل وثيق، وأنهم أخذوا يولونها منزلة الكتاب المقدس.[228]
بعد عام 150 مست الحاجة في الكنيسة
إلى قاعدة شاملة تنظم المؤلفات الدينية حول يسوع، تمهيدًا لإدراجها ضمن قانون الكتاب المقدس، فكان المعيار المتبع
صحة نسبتها إلى الرسل،[228] وبرزت الأناجيل الأربعة نظرًا لصحة نسبها إلى
الرسل من ناحية ولما تحلّت به صفات تتطابق مع التقليد الشفهي، ومع رسائل بولس التي
اعتبرت قبلاً أسفارًا مقدسة،[228] وحوالي عام 170 كان قانون العهد الجديد
قد اكتمل وأضيف إليه سفر أعمال الرسل كمؤلف قانوني لكون مؤلفه
هو لوقا مؤلف الإنجيل الثالث نفسه،[229] ثم ضمّ إلى القانون
لاحقًا رؤيا يوحناوالرسالة إلى العبرانيين إضافة إلى رسائل يوحنا
الثلاث ورسالتي بطرس فضلاً عن رسالة يهوذا ورسالة يعقوب،[230] وذلك بعد نقاشات طويلة
حول صحة نسبتها، إذ لم ينته ضم جميع الأسفار حتى نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع.
أما تلك الكتب التي لم يثبت صحة نسبتها،
فقدت تدريجيًا حظوتها في الكنيسة ولدى المسيحيين كأسفار مقدسة، كرسالة اقلمنضس
الأولى ورؤيا بطرس ومؤلف الراعي لهرماس، ومؤلفات أخرى غيرها، وهذه المؤلفات كانت
ذات انتشار في مناطق محدودة خصوصًا مصر،[229] لكنها دُعيت عقب رفضها في
قانون الكتاب المقدس بالمنحولة والتي تعني باليونانية مخفية، وذلك لأنه لم يسمح
بقراءتها خلال إقامة الشعائر الدينية وأمر أن تبقى خفية خلالها، إلا أنه قد أوصي
بقراءتها في بعض الأحوال لحسن تأثيرها في الحياة المسيحية،[230] أما أناجيل الحق وتوما
وفيليبس فقد رفضت لأنها مجرد أقوال محتواه في الأناجيل القانونية ولا تحوي شيئاً من رواية
الأحداث، كما أن أغلبها قد وضع بعد فترة طويلة من سائر المؤلفات،[231] في حين رفضت أناجيل مريم
ويعقوب والطفولة، لكونها أقرب إلى الرؤى والقصص الشعبية منها إلى الصيغ الواقعية،
فضلاً عن التوسع في جانب معجزات الرسل بهدف تعظيم شأنهم،[231] أما إنجيل برنابا فلا يعتبر من الأناجيل المنحولة والكتب
الأبوكفيرية، إذ إنه كتب أواخر القرن الخامس عشر على يد راهب تحوّل إلى الإسلام،[232] وبالتالي لا يعود للفترة
الزمنية المبكرة ذاتها لسائر الأناجيل المنحولة، التي كتبت خلال القرن الثاني والقرن الثالث،[231] وهي على الرغم من رفضها
ضمن قانون العهد الجديد إلا أنها تلبث هامة جدًا للباحثين بقصد دراسة الفكر الديني
لدى المسيحيين خلال تلك الفترة.[231]
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire