تعاليم بوذا الأصلية
كانت
التعاليم التي خلفها بوذا لأتباعه شفوية. لم يترك وراءه أي مصنف أو كتاب يعبر فيه
عن معتقداته وآرائه. بعد وفاته قام أتباعه بتجميع هذه التعاليم ثم كتابها، وشرحها.
من بين آلاف المواعظ الواردة في كتابات السوترا والتي تنسبها الآثار الهندية إلى
بوذا، يصعب التفريق بين المواعظ التي ترجع إليه وتلك التي وضعها أتباعه ومُرِيديه
بعد وفاته، على أنها تسمح لنا باستخلاص الخطوط العريضة التي قامت عليها العقيدة
البوذية.
تقوم
العقيدة الأصلية على مبدأين: يتنقل الأحياء أثناء دورة كينونتهم من حياة إلى أخرى،
ومن هيئة إلى أخرى: إنسان، إله، حيوان، شخص منبوذ وغير ذلك. تتحدد طبيعة الحياة
المقبلة تبعا للأعمال التي أنجزها الكائن الحي في حياته السابقة، ينبعث الذين أدوا
أعمال جليلة إلى حياة أفضل، فيما يعيش الذين أدوا أعمال خبيثة حياة بائسة وشاقة.
عُرف المبدأ الأول بين الهنود حتى قبل مقدم بوذا، فيما يُرجح أن يكون هو من قام بوضع
المبدأ الثاني.
·
أن الحياة معاناة: وهي لا تخلو من المعاناة التي يسببها
الشقاء ومصادر الشقاء في العالم سبعة:الولادة-الشيخوخة-المرض-الموت-مصاحبة
العدو-مفارقة الصديق-الإخفاق في التماس ما تطلبه النفس وفي هذا المجال يقول
بوذا:(ان سر هذه المتاعب هو رغبتنا في الحياة وسر الراحة هو قتل تلك الرغبة)
·
الحقيقة الثانية :هي الأصل في منشأ المعاناة وعدم
وجود السعادة وهي ناجمة عن التمسك بالحياة ويقول بوذا:(ان منشأ هذه المعاناة
الحتمية يرجع إلى الرغبات التي تمتلئ بها نفوسنا للحصول على أشياء خاصة لنا أننا
نرغب دائما في شيء ما مثل: السعادة أو الأمان أو القوة أوالجمال أو الثراء....)أي
أن سبب الشقاء وعدم السعادة هو الأنانية الإنسانية وحب الشهوات والرغبات
·
الحقيقة الثالثة :هي حقيقة التخلص من المعاناة ولا
يتم الا بالكف عن التعلق بالحياة والتخلص من الأنانية وحب الشهوات في نفوسنا وتسمى
هذه الحالة (النيرفانا) أو الصفاء الروحي
·
الحقيقة الرابعة : هي أن طريق التخلص من الأنانية
والشهوات ومتاع الدنيا يوجب على الإنسان اتباع الطريق
النبيل ذي الفروع الثمانية وهي:
الحقائق النبيلة الأربع
أثناء مرحلة
تبشيره الأولى، قام بوذا بتعليم أتباعه الحقائق
الأربع النبيلة. وتختزل هذه الحقائق تعاليم العقيدة الأصلية.
1- أولى هذه الحقائق هي المُعاناة: الحياة الإنسانية في أساسها معاناة متواصلة، منذ لحظات
الولادة الأولى وحتى الممات. كل الموجودات (الكائنات الحية والجمادات) تتكون من
عناصر لها دورة حياة مُنتهية، من خصائص هذه العناصر أنها مُجردة من مفهومي الأنا
الذاتي والأزلية، كما أن اتحادها الظرفي وحده فقط يمكن أن يُوحي بكينونة موحدة.
تتولد الآلام والمعاناة من غياب الأنا (راجع فقرة أناتمان) وعدم استمرارية الأشياء، لذا فهي -المعاناة- ملازمة لكل
دورةِ حياة، حتى حياة الآلهات (لم تتعارض البوذية الأولى مع الهندوسية وتعدد
الآلهات) نفسها والمليئة بالسعادة، لابد لها أن تنتهي. بالنسبة لبوذا والذي كان
يؤمن بالتصور الهندوسي لدورة الخلق والتناسخ (الانبعاث)، لا يشكل
موت الإنسان راحة له وخلاصا من هذه الدورة.
2- الحقيقة الثانية عن أصل المعاناة الإنسانية: إن الانسياق وراء الشهوات، والرغبة في
تلبيتها هي أصل المعاناة، تؤدي هذه الرغبات إلى الانبعاث من جديد لتذوق ملذات
الدنيا مرة أخرى. تولدت هذه الرغبة نتيجة عدة عوامل إلا أن الجهل هو أصلها جميعا.
إن الجهل بالطبيعية الحقيقة للأشياء ثم الانسياق وراء الملذات يُوّلِدان الجذور
الثلاثة لطبيعة الشّر، وهي: الشهوانية، الحِقد والوَهم، وتنشأ من هذه الأصول كل
أنواع الرذائل والأفكار الخاطئة. تدفع هذه الأحاسيس بالإنسان إلى التفاعل معها،
فيقحم نفسه بالتالي في نظام دورة الخلق والتناسخ.
3- الحقيقة الثالثة عن إيقاف المعاناة: وتقول بأن الجهل والتعلق بالأشياء المادية يمكن التغلب
والقضاء عليهما. يتحقق ذلك عن طريق كبح الشهوات ومن ثمة القضاء الكلي (نيرفانا) على ثمار هذه الأعمال (كارما)، والناتجة عن الأصول الثلاثة
لطبيعة الشر. وحتى تتحقق العملية لا بد من الاستعانة بالقديسين البوذيين من
الدرجات العليا، وحتى ببوذا نفسه، والذي يواصل العيش في حالة من السكينة التي لا
يعكر صفوها طارئ.
4- الحقيقة الرابعة عن الطريق الذي يؤدي إلى إيقاف المعاناة: ويتألف الطريق من ثمان مراحل، ويسمى بالدَرْب
الثُماني النبيل، تمتد على
طول هذا الطريق ثمان فضائل:
·
الفهم السوي،
·
التفكير السوي،
·
القول السوي،
·
الفعل السوي،
·
الارتزاق السوي،
·
الجهد السوي،
·
الانتباه السوي
·
وأخيرا التركيز السوي.
توزع هذه
الفضائل إلى ثلاث أقسام: الفضيلة، الحكمة والتأمل. ويتم الوصول إلى كل واحد منها
عن طريق وسائل مختلفة. أول هذه الوسائل هي اتباع سلوكيات أخلاقية صارمة، والامتناع
عن العديد من الملذات. تهدف الوسائل الأخرى إلى التغلب على الجهل، عن طريق التمعن
الدقيق في حقيقة الأشياء، ثم إزالة الرغبات عن طريق تهدئة النفس وكبح الشهوات، وهي
-أي الوسائل- تشتمل على عدة تمارين نفسانية، من أهمها ممارسة التأمل (ذيانا)، لفترة طويلة كل يوم. عن طريق
إعمال العقل في جملة من الأفكار أو الصور، وتثبيتها في الذهن، يمكن شيئا فشيئا أن
يتحول العقل ويقتنع بحقيقة العقائد المختلفة للبوذية، فيتخلص من الشوائب، والأفكار
الخاطئة، والمناهج السيئة في التفكير، فتتطور بالتالي الفضائل التي تؤدي إلى
الخلاص، وتتبد العادات السيئة المتولدة عن الشهوة. عن طريق اتباع هذه التمارين
والتزام الأخلاق النبيلة يمكن للراهب البوذي أن يصل وفي ظرف زمني قصير (فترة
حياته) إلى الخلاص.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire